تطور مفهوم الإعاقة – من النموذج الطبي إلى النموذج التفاعلي
تطور مفهوم الإعاقة – من النموذج الطبي إلى النموذج التفاعلي
تطور مفهوم الإعاقة – من النموذج الطبي إلى النموذج التفاعلي
شهد مفهوم الإعاقة تحولات عميقة نتيجة تعدد التعريفات وسوء الفهم المرتبط بالتمثلات السلبية، مما أدى إلى ممارسات غير منصفة من الناحية الحقوقية والأخلاقية. هذا الواقع ساهم في بروز حركات اجتماعية وحقوقية في الولايات المتحدة وأوروبا، دفعت نحو إدراج قضايا الإعاقة ضمن الأولويات السياسية والبحثية على المستوى الدولي. لقد ارتبط تطور مفهوم الإعاقة بالسياقات الثقافية والاجتماعية، ولم يحظَ بالاهتمام العلمي إلا منذ منتصف السبعينيات. ولا يمكن فهم التربية الدامجة دون إدراك الإعاقة كمفهوم ديناميكي متعدد الأبعاد.
أولا: محطات تطور مفهوم الإعاقة
1. المرحلة الأولى (1976–1980): ظهور النموذج الطبي من خلال تصنيف وود (CIDIH) الذي ميز بين المرض والإعاقة.
2. المرحلة الثانية (1998–2002): انتقادات للنموذج الطبي وظهور نموذج "سيرورة إنتاج الإعاقة" في كندا.
3. المرحلة الثالثة (من 2002): مراجعة التصنيف الطبي وإصدار التصنيف الدولي للأداء والإعاقة والصحة (CIF).
4. المرحلة الرابعة (من 2006): اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي شكلت مرجعية عالمية جديدة. بالتوازي، نشطت حركات حقوقية منذ الستينيات، رافضة لمفهوم "الشخص السوي" كمقياس، وطرحت مفاهيم مثل "التنوع العصبي" الذي يعترف بتعدد أنماط التفكير والوظائف العقلية، و"القدرانية" (capacitisme) التي تنتقد التمييز المبني على مقارنة الأفراد بالنموذج "الطبيعي"
ثانياً: النماذج التفسيرية للإعاقة
1. النموذج الطبي يركز على الجوانب البيولوجية والوظيفية، ويصنف الإعاقة ضمن ثلاث مستويات: • القصور: خلل أو نقص في وظيفة جسدية أو عقلية.
• العجز: صعوبة في أداء نشاطات الحياة اليومية.
• الإعاقة: تأثير العجز على أداء الأدوار الاجتماعية. رغم أهميته، تعرض هذا النموذج لانتقادات بسبب تجاهله للبيئة والسياق الاجتماعي.
2. النموذج الاجتماعي نشأ كرد فعل على محدودية النموذج الطبي، ويرى أن الإعاقة ناتجة عن الحواجز الاجتماعية والثقافية، وليس فقط عن القصور الجسدي. ويحمّل المجتمع مسؤولية تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من حقوقهم.
3. النموذج التفاعلي يُعد تطوراً يجمع بين الفرد والبيئة، ويركز على التفاعل بين العوامل الشخصية (كالقدرات والهوية) والعوامل البيئية (المادية والاجتماعية). ويعتبر أن الإعاقة تظهر عندما تعيق البيئة أداء الشخص لعاداته الحياتية.
ثالثاً: نموذج سيرورة إنتاج الإعاقة (MDH-PPH)
طُور في كندا عام 1991، ويعتمد على مقاربة أنثروبولوجية تنموية. يوضح كيف تتفاعل العوامل الشخصية والبيئية لتؤثر على نمط حياة الفرد. ويُعرّف "عادات الحياة" بأنها الأنشطة اليومية والأدوار الاجتماعية التي تضمن اندماج الفرد في مجتمعه. يرى هذا النموذج أن الإعاقة ليست ناتجة عن الشخص وحده، بل عن التفاعل بين خصائصه والبيئة المحيطة به. ويؤكد على أهمية تصميم الخدمات بناءً على هذا التفاعل لتفادي خلق وضعيات إعاقة جديدة. خلاصة تطور مفهوم الإعاقة من منظور طبي ضيق إلى نموذج تفاعلي شامل يعترف بتعدد العوامل المؤثرة، ويؤسس لفهم أكثر إنصافاً وواقعية. ويُعد هذا التحول أساساً لفهم التربية الدامجة كحق إنساني ومجتمعي، يتطلب إزالة الحواجز وتمكين الأفراد من المشاركة الكاملة في الحياة.