التربية الدامجة: نحو بناء مدرسة للجميع
التربية الدامجة: نحو مدرسة للجميع دون إقصاء
1. تطور مفهوم التربية الدامجة:
مرّ مفهوم الإدماج التربوي بعدة مراحل تطورية.
في البداية، ارتبط بمفهوم "الإدماج" (mainstreaming)، الذي
كان يهدف إلى إدماج التلاميذ في وضعية إعاقة ضمن الفصول الدراسية العادية قدر
الإمكان، مع توفير بعض الترتيبات الخاصة. غير أن هذا النموذج أدى إلى ممارسات
تمييزية داخل نفس المؤسسة التعليمية، وأسفر عن نشوء قطاع موازٍ للتعليم النظامي
يُعرف بالتربية الخاصة. ومع مرور الوقت، تبين أن التربية الخاصة، باعتبارها نظامًا
منفصلًا، لم تحقق النتائج المرجوة، بل ساهمت في تكريس التمييز والعزل. هذا ما دفع
الباحثين والممارسين إلى إعادة النظر في كل من التربية الخاصة والإدماج المدرسي،
والانتقال نحو مفهوم أكثر شمولًا هو "الدمج" (inclusion)، الذي
يقوم على مبدأ التربية الدامجة لجميع المتعلمين داخل الفصول النظامية، دون
استثناء.
2.
مبادئ التربية
الدامجة:
تعرف منظمة اليونسكو التربية الدامجة بأنها
تعليم يضمن الحق في التعلم الجيد لجميع الأفراد، مع التركيز على الفئات الهشة،
بهدف تطوير إمكاناتهم الكاملة، وإنهاء جميع أشكال التمييز، وتعزيز التماسك
الاجتماعي. وترتكز التربية الدامجة على المبادئ التالية:
• اعتبارها سيرورة
مستمرة ومتطورة.
• ضمان حق الجميع في تعليم ذي جودة.
• الاستجابة لحاجات التعلم الأساسية. • التركيز
على الفئات الهشة وتطوير إمكانات كل فرد.
• السعي إلى إنهاء التمييز وتعزيز التماسك
الاجتماعي.
وقد سبق أن أكد إعلان مؤتمر سالامنكا (1994) هذه
المبادئ، من خلال الدعوة إلى تعليم جامع يحترم الفروق الفردية، ويعتمد منهاجًا
دامجًا، ويكافح التمييز، ويضمن تعليما ذا معنى لجميع المتعلمين. وفي عام 2012،
وسّعت اليونسكو هذا المفهوم خلال منتدى عالمي، حيث عرّفت الدمج كعملية تحويلية
تضمن المشاركة الكاملة في التعليم، وتقدّر التنوع، وتلغي جميع أشكال التمييز،
وتؤكد على أن المؤسسات التعليمية يجب أن تكون فضاءات يشعر فيها الجميع بالانتماء.
3.
من الإدماج إلى
الدمج:
الفروق الجوهرية من الضروري التمييز بين مفهومي
"الإدماج" و"الدمج". فالإدماج يفترض أن الطفل يوجد خارج
النظام التعليمي، ويجب تكييفه ليلائم هذا النظام. أما الدمج، فيفترض أن الطفل يوجد
داخل المدرسة منذ البداية، وعلى المدرسة أن تتكيف لتستجيب لاحتياجاته. الانتقال من
الإدماج إلى الدمج هو انتقال من تصور يقوم على التمييز إلى تصور يقوم على المساواة
والعدالة التربوية، ويستلزم التزامًا مؤسساتيًا بتغيير النموذج التربوي نحو نموذج
دامج.
4.
المدرسة الدامجة:
خصائصها ومتطلباتها المدرسة الدامجة هي مؤسسة
تعليمية تستقبل جميع الأطفال دون استثناء، وتبني مشروعًا تربويًا منفتحًا على
الاختلاف، ينتقل من منطق الحماية إلى منطق المشاركة. وتقوم على:
• ترتيبات تنظيمية وهيكلية وبيداغوجية تضمن
التمدرس في الوسط النظامي.
• تكييف المؤسسة لتلائم جميع المتعلمين.
• توحيد المعايير من خلال دمج الترتيبات
التيسيرية في البرنامج العام للمؤسسة.
وتعتمد المدرسة الدامجة على بيداغوجيا فارقية، تتيح تنوعًا في أساليب التعليم والتعلم، مثل مجموعات المشاريع ومجموعات الحاجيات، بما يضمن استجابة فعالة لاحتياجات كل المتعلمين.
5. نحو نموذج دامج حقيقي:
إن بناء مدرسة دامجة يتطلب تغييرًا جذريًا في
النموذج التربوي، كما يشير سيرج تومازي، حيث لا يكفي تقديم مسارات مكيفة، بل يجب
إعادة التفكير في المدرسة ككل، لتصبح قادرة على تلبية احتياجات جميع التلاميذ، دون
أن يشعر أي منهم بالإقصاء أو التهميش.
نستنتج من مختلف التعريفات أربعة عناصر أساسية
محددة لتعريف التربية الدامجة:
• إنها سيرورة متطورة.
• سلسلة إجراءات للدمج تتجه نحو إعادة تهيئة
البيئة المدرسية وإصلاح البرامج.
• التركيز المستمر على زيادة المشاركة الكاملة
والفعالة ورفع الحواجز المانعة لذلك.
• تغيير المنوال وذلك بالانتقال من: عدم قدرة
الطفل على…….. إلى: عدم قدرة المدرسة على……. تنسجم العناصر الأربعة المذكورة مع
المبادئ الأربعة الموجهة للتربية الدامجة، وهي:
1/ استقبال التنوع
2/ تغيير العقليات
3/ التربية بواسطة الأقران
4/ مسؤولية
النظام التربوي